غرائب اللهجة العراقية مفردات دخيلة واخرى منحوتة لغوياً
أثار اهتمامي ذات يوم خبر طريف قرأته عن دولة أوربية لجأت لطريقة ذكية للتفريق بين العراقيين وبعض الذين أدعوا أنهم عراقيون بهدف الحصول على حق اللجوء السياسي او الانساني قبل سقوط النظام السابق وقد استغل بعض الاشقاء العرب ممن يتقنون الكثير من مفردات اللهجة العراقية الدارجة هذه الميزة في محاولة الحصول على اللجوء، ومع ذلك لم يتمكنوا من اتقان هذه اللجهة التي يسهل التمييز فيها لو تكلم اثنان أحدهما عربي والاخر عراقي.
لجنة للاختبار
هذه الدولة اختارت لجنة في عملية القبول، وأكاد اجزم ان بعض اشخاص هذه اللجنة قد كانوا من أهالي أهوار الجبايش اصحاب اللهجة الفارقة في عراقيتها أو من بادية الانبار التي تزهو فيها اللغة مع جزالة اللفظ وعذوبته.
فكانت هذه اللجنة تسأل المتقدم للاختبار مامعنى مفردة (لعد شنو) وتطلب منه ان يلفظها، هذه المفردة بالتأكيد تعني (اذن ماهو) ثم تطرح سؤالا اخر، مامعنى كلمة (بطيت جبدي) أو (انسكمت سكم) فاذا لفظها العراقي وقال ايضا ان الاولى تعني جرحت كبدي والثانية انسقمت سقماً تطمئن اللجنة ان هذا الرجل عراقي، بينما المتقدم الاخر الذي (مادبرها) هو من جنسية أخرى ويحق عليه قول احدهم (اطلع مناه او اشلع).
مفردات دخيلة
ولو سألت أي عراقي عن منشأ هذه المفردات لقال لك انه لا يدري من أين جاءت لكنها متداولة وهي لغة المجتمع أو لهجته وتتفاوت نسب التعامل بها بين مستويات مثقفة ترفض ان تتداول بعضا من هذه المفردات من قبيل (أبو سلعوم) أي صاحب الرقبة الضعيفة أو (مغتب) بمعنى الشخص متغير الملامح أو (فيكه) أي الشخص المغرور.
مفردات مناطقية
وبعض هذه المفردات العجيبة الغريبة نجدها بالفعل متداولة داخل أسوار محافظات أو مناطق معينة دون سواها ففي بعض محافظات الجنوب مثلا يكثر استعمال كلمة (طارش) التي تعني المسافر أو الرسول أو ناقل الخبر، وكذلك (رفيج) التي تعني الصديق، ويشيع استخدام مفردة (خوش) بمعنى (زين او طيب)، وفي بغداد هنالك من يلفظ مفردة (نكضان) اي تعبان و(عاوي) أي تعبان.
موروث شعبي
يؤكد سعد كريم، موظف، ان هذه المفردات هي موروث شعبي مجهول وعبثا نحاول ان نعرف فترة أو أسباب ظهورها فأنت قد تستمع لمصطلح تعتقد انه غريب جدا ولن يستمر لان المجتمع لا يعرفه، ولكن تكتشف بعد فترة وجيزة ان هذا المصطلح يكثر استخدامه بل وانه اصبح (ثقافة) فهل يمكن لنا ان نعرف سبب وصف الشخص الشاطر او كثير الحركة بأنه (لوتي)؟ أو وصف الانسان الناكر للذات بأنه (بذات)؟ او وصف الورم الذي يظهر في الرأس بأنه (عنجورة)؟ هذه مفردات اضحت لغة المجتمع شئنا ام أبينا، والسبب هو انحدار الثقافة وعدم اعتمادنا على لغتنا الام والاهتمام بها.
تشخيص
أستاذ اللغة العربية الشيخ نور عبد الكريم الساعدي يقول، لقد أصبحنا في واد ولغتنا في واد آخر فقد غابت اللغة العربية عن الكثير من المواطن التي كانت لابد ان تكون حاضرة فيها لعل أهمها المنابر الدينية وأروقة الجامعات ولغة التخاطب بين المثقفين، بل تعدى الامر الى الكتابة وليس النطق فأنت تسير في الشوارع ويثيرك ان تقرأ لافتات مكتوبة باللهجة العامية، فالمجتمع بحاجة الى تفعيل قوانين حماية الألسن كما تسمى، فكم من أستاذ في اللغة العربية يتكلم مع طلبته داخل الصف بلهجة عامية غريبة؟ والمفترض انها لغة القرآن ولغة التفسير ولغة الاحاديث الشريفة وعندما تغيب يكون المجتمع تلقائيا باحثا عن البديل.
مصطلحات سمجة
ويشير راضي الخضر، أعلامي، الى انه خلال العشرين سنة الاخيرة ظهرت في العراق مصطلحات سمجة لم يألفها الناس من قبل، لكنها بالتأكيد أصبحت واضحة المعنى، قائلا: مصطلحات نحن أساسا لم نسمع بها ونجهل من أين أتت مثل (خل يولن – مالتنه هذني) ومعناها أترك هذه الاساليب نحن من أبتكرها!! والاكثر أسفا انك تقرأ هذه الجمل على زجاج السيارات وبكثرة علما اننا المجتمع الوحيد الذي يستخدم زجاج السيارات فيه لهذه الاغراض دون ان تكون هنالك قوانين رادعة لمنع ظاهرة تخدش الحياء بهذا الشكل، فقد رأيت سيارة مكتوب على زجاجها الخلفي (تانيني) اي انتظرني، وآخر كتب كلمة (وخر بروح اهلك) أي ابتعد بروح والديك!! وسيارة اخرى كتب عليها (اشطح) بمعنى اذهب، أما كيف أصبح معنى (اشطح) يعني؟ اذهب، فلا اعتقد ان هنالك لغويا يعرف الامر.
مفردات للطرفة
المحامي بشير محمود، يقول ان بعض هذه المفردات تستخدم للطرفة من قبيل (سليمة الكرفتك) بمعنى مصيبة تأخذك ومنها ماهو قديم وله معنى متعارف عليه وقد كان يستخدم في مجتمعات أخرى مثل (أغاتي) أي مولاي وسيدي و(سودة عليه) التي تقال في حالة القهر على شخص ما او (الكاع) بمعنى الارض أو (يخبل) أي يجنن، وهنالك وصف لبعض الحيوانات بمفردات صارت شائعة عند العراقيين مثل (العتوي) للقط الكبير و(البزونة) للقطة الصغيرة.
ونسمع أحيانا مفردات تظل عالقة في الذهن ونعرف جيدا ان المجتمع يستخدمها في كل مكان نذهب اليه ويرفض ان يستخدم غيرها مثل (مناك لو مناه) أي من هنا او من هناك، و(جاشنو) ومعناها اذن ماهو، وعندما يصاب احدهم يقول لك (تعورت) أي جرحت وعندما يطلب ملعقة كبيرة فأنه يقول (جفجير)، أما عندما يريد ان يصف الفتاة كثيرة الحركة فيقول (شلولو) وعندما نريد ان نصف شخصا يتصرف وكأنه لم يهتم للحالة نقول هذا الشخص (غلّس)، أما أحدث مفردة في قاموس اللهجة العراقية فهي (عبوة ناسفة) مفردة توضع على الطريق بدل الاشجار!!!!
دراسات ونتائج مقلقة
هبة السوداني، مدرسة، قالت: ان غياب التثقيف باللغة العربية ترك اثره في رواج مثل هذه المفردات، كما ان غياب عوامل منع انتشارها مثل الكتابة على واجهات المحال والاماكن العامة او السيارات كانت ولاتزال عاملا مساعدا على ظهور المصطلح الغريب والجملة النشاز التي قد يجد الشخص نفسه مجبرا على التعامل بها رغم انه غير مؤمن بمعناها لذا فان تشريع قوانين اشاعة واحياء اللغة العربية بات من الضروريات لاسيما بعد ظهور نتائج خطيرة لدراسات في بعض (مجامع) مفردها (مجمع) اللغة العربية تؤكد ان نسبة القراءة عند العرب أصبحت ستة بالمئة فقط نتيجة استخدامات الانترنيت والتقنيات الحديثة.
**************************************************