تقرير / حرب عالمية ثالثة بين أميركا وروسيا ... داخل فنجان
| كتب - إيليا ج. مغناير |
اندلعتْ حرب الكلام والاتهامات بين الولايات المتحدة وروسيا، لتوحي بأنّ حرباً عالمية ثالثة، توشك على الاندلاع، على خلفية النزاع في سورية، ولكن داخل فنجان، وليس على أرض الواقع، رغم قعقعة السلاح، والتَراشُق بالتهديدات المباشرة وغير المباشرة.
ماذا تقول الولايات المتحدة؟
يشير الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية، مارك تونر، إلى أن واشنطن تدرس كل الاحتمالات الديبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، لمجابهة روسيا، ولا سيما بعد تقدم الجيش السوري وحلفائه داخل دمشق الشرقية. وينشط الاعلام الأميركي، في شكل عام، مطالِباً الإدارة الاميركية باستخدام القوة ضد روسيا، وبإرغام الرئيس السوري بشار الأسد على إبقاء سلاحه الجوي على الأرض، باستخدام صواريخ مجنّحة، من نوع «توماهوك» ودعم المعارضة السورية ومعها الجهاديين من «فتح الشام» (النصرة سابقاً، التابعة لتنظيم القاعدة) وحلفائها في الشمال السوري، وإرسال المزيد من السلاح، والإبقاء على وتيرة تدفّق المعلومات الاستخباراتية، التي لعبت دوراً محورياً وأساسياً في انتصارات المعارضة والجهاديين في جبهات متعددة.
وتريد واشنطن من موسكو وقف تقدم حلفائها على ارض المعركة في حلب الشرقية، وإعطاء هؤلاء فرصة لإعادة تجميع القوى والاستحكامات، كما حصل عندما تَقرر وقف النار الاول، وسُمح للجهاديين بإعادة احتلال منطقتي خلصة وتلة العيس وغيرهما في حلب. وتريد واشنطن إدخال المساعدات الغذائية من جديد والتعلّق بالدعم الانساني. إلا أنها لا تريد فصل ألدّ أعدائها «فتح الشام» عن المعارضة المسلّحة المعتدلة، لانها بذلك تطلق رصاصة الرحمة على الخيار العسكري، ما سيجبر الجميع على الجلوس الى طاولة المفاوضات.
وماذا تريد موسكو وكيف تتحضّر للمواجهة؟
اول ما تريده موسكو هو فصل الجهاديين و«فتح الشام» عن باقي قوى المعارضة المعتدلة، ليصار الى وقف نارٍ شامل، والذهاب الى طاولة المفاوضات، وإرغام الجميع على التنازل، وعدم تقسيم سورية الى دويلات، الشمال الشرقي للاكراد والاتراك، والشمال الوسطي للجهاديين والمعارضة، والجنوب لإسرائيل، ومنطقة نفوذ للأردن. وتتهم موسكو الولايات المتحدة بالعمل على تقسيم سورية، وفق مبدأ «الشرق الاوسط الجديد»، ولذلك فإنها - أي واشنطن - مستعدة للتعامل غير المباشر مع «فتح الشام» لأن ذلك يخدم مصالحها.
وتقول مصادر قيادية في سورية، إن «موسكو مقتنعة بأن واشنطن والقاعدة ليسا حليفين، ولكن المصلحة جمعتهما على أهداف مشتركة، بحيث يستفيد كل طرف من الآخر، ما دامت المصالح غير متضاربة. وهذا ما دفع اميركا الى عدم الالتزام باتفاق وقف النار الثاني، المتفَق عليه بين الدولتين العظمييْن، لانها لا تريد ضرب مصالحها الإستراتيجية التي تقتضي بعدم إضعاف النصرة - القاعدة في سورية في الوقت الراهن».
أما عن استخدام «توماهوك» لضرب طائرات او مطارات الاسد، فقد نشرت موسكو سابقاً صواريخ «إس 400» للدفاع عن مطاراتها وطائراتها، بعد الاعتداء التركي على المقاتلة الروسية العام الماضي. وكذلك أرسلت صواريخ «إس 300» المعدلة (إس أي 23)، التي تصطاد الصواريخ الاميركية المجنّحة، وتتمتع بميزة خاصة، حيث يأخذ الصاروخ الروسي الإحداثيات، ويقفل على نفسه، ما يصعّب التشويش عليه وحرفه عن هدفه الحقيقي، ليضرب اي صاروخ اميركي يُطلق ضد الجيش السوري.
وتقول مصادر روسية قيادية، إن «الطيران الروسي هو مَن يقوم بأكثر الضربات النقطية، وبمساندة الهجوم البري للحلفاء، وإخضاع الطيران السوري للبقاء داخل هنغاراته (مخابئ الطائرات الحربية) خطوة فولكلورية ليس إلا، إذ بوسع موسكو إرسال المئات من طائراتها الى مطارات حميميم وحمص وتدمر، وقريباً الى مطار حلب، ولن تستطيع اميركا وقف روسيا في سورية، إلا اذا اختارت الدخول في حرب عالمية ثالثة، وهذا مستبعد لدى الطرفيْن».
وتعتبر موسكو ان معركة سورية هي معركتها، وهي مستعدة للدفاع عن سورية وكأنها تدافع عن بلدة روسية، وأكثر، لأن مصالحها في الشرق الاوسط تنطلق من نجاحها في سورية، والمحافظة على قاعدتها البحرية ومطارها البحري مقابل الحلف الأطلسي، كقاعدة متقدّمة تحمي قوّاتها.
وترى روسيا انها «مستعدة للسلام، وكذلك مستعدة للحرب، ولكل الاحتمالات، لتحافظ على قوتها ومكانتها». وهذا يعني ان بقاء سورية متكاملة وموحّدة وبقاء النظام السوري، هو شرط لبقاء روسيا، وهذا ما فهمته الولايات المتحدة. فعندما تصرخ اميركا بأنها تريد انقاذ حلب الشرقية، تزيد روسيا قصف المدينة لتسمع صراخاً أعلى من أميركا. فالحل ليس بمقعد بالنسبة لروسيا، وهو ملخص بما يلي: هناك 900 من جبهة النصرة في حلب، فليبتعد الجميع عنهم ولتسلّم اميركا وحلفاؤها من المعارضة على الأرض مواقع «القاعدة» ليتمّ إنذارهم أو ضربهم او سحبهم من المدينة، ليكمل وقف النار الشامل مشواره وتعود الأمور الى المربّع الأول، بوقف الأعمال العدائية على جميع الاراضي السورية، وليُحدّد العدو المتمثل بالقاعدة وبتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش).
وتقول المصادر ان «اميركا تهدّد بتعليق العمل والتعاون المشترك مع موسكو. اين هو هذا التنسيق؟ إ إخطار الطرفين بحركة الملاحة الجوية باقٍ، ولم يتوقف، بغض النظر عن الأزمة الحالية بين موسكو وواشنطن. وعدا ذلك، ليس هناك تعاون استخباراتي ولا عسكري في سورية، لأن البنتاغون (وزارة الدفاع الاميركية) اعلنت بنفسها انها ترفض التعاون مع روسيا».
موسكو مستعدة للحرب والسلم. اميركا تطلب السلم وتلوّح بالحرب. انها حرب عالمية بين القوتين الجبارتين، ولكنها لا تزال دائرة في فنجان. روسيا على الارض وترسل المزيد من القوات العسكرية للحفاظ على أمنها الإستراتيجي - كما تقول هي - وعلى النظام في سورية كي لا يعيش الشرق الاوسط دولة فاشلة جديدة، كما حصل في ليبيا، وكاد العراق ان يلحق بها، وسط حالة من عدم الثقة بين موسكو واميركا التي لا تتكلم عن تقسيم سورية علناً، إلا انها تدعم الاكراد شمالاً، من دون الافصاح عن خطتها، وخصوصاً لوجود قوى عسكرية اميركية على ارض سورية، من دون اذن الحكومة السورية.
وكذلك تريد اميركا تجميد الوضع في سورية، من دون فصل الجهاديين عن المعتدلين، وكل هذا يثير حال ارتياب، ويبقى الاصبع على الزناد بين أقوى دولتين عظميين، تملك كل واحدة قوة تدميرية تستطيع تدمير الكرة الارضية مرات عدة. وقد أثبتت الحرب السورية انها لا تقتصر على مساحة جغرافية محددة في الشرق الاوسط، بل تستطيع ان تذهب بالمبارزة العسكرية الى أبعد بكثير من بلاد الشام.
**************************************************