التفكير خارج الصندوق
عبارة أصبحت لها سيرورة على ألسنة الناس، ولو سألت عنها لما وجدت لها إجابة شافية محددة، لأن كل إنسان يعرفها ولكن، ربما لا يستطيع صياغة معناها بالشكل الدقيق.
هذا النمط من التفكير أصبح علمًا يُدرس..ولو سألت نفسك ما الداعي إليه وما الغرض من تهافت الناس على الدورات التدريبية حول هذا الشأن، لأدركت كم نحن بحاجة إلى أن نفكر خارج الصندوق..لكثرة مشكلاتنا التي تحتاج إلى شيء من الصبر والبصيرة.
والمقصود بالتفكير خارج الصندوق أي: الخروج عن نمط التفكير بالطريقة التقليدية، وبعضهم يسميه التفكير بالمقلوب، ثم إن حل أي مشكلة يأتي بطريقتين: إما بالخبرة المكتسبة وهي نتاج محاولات سابقة لمشكلة مشابهة وقد توجت بالنجاح وأحايين كثيرة بالفشل.
وإما بالابتكار: وهو ما يسمى التفكير بالمقلوب..ونادرًا ما يتم اللجوء إليه وخصوصًا في البلاد العربية، لأن أكثر مديري الشركات والمؤسسات يألفون حلاً واحدًا تحت بند(هذا ما وجدنا عليه آباءنا)، مع أن هذا الأخير قد يكون مجازفة ولكنه حل إبداعي ناجم عن التفكير والإحاطة بأبعاد المشكلة من جذورها ثم التفكير بصوت عالٍ في خطوات الحل، ومشاركة الآخرين فيه.
وتنفضّ كثير من الاجتماعات بعد جدال عقيم ونقاش وسجال من دون حلول بل ربما تعصف بالمجتمعين أحيانًا زوبعة من الغضب والسباب لأن فلانًا طرح رأياً فانتصر له أو قدّم مقترحًا أو حلاً لم يدرجوا عليه..
لنعد قليلاً إلى الوراء..فقد عجز رواد وكالة ناسا الفضائية الأمريكية عند وصولهم إلى القمر أن يكتبوا بالقلم الأزرق وهم على سطح القمر، و ذلك لانعدام الجاذبية، فخصصوا مئات آلاف الدولارات للبحث واستطاعوا ابتكار قلم خاص للكتابة بتكلفة باهضة، بينما استطاع علماء الفضاء الروس حل المعضلة بطريقة أخرى بسيطة، فاستخدموا قلم الرصاص، والأمر سهل وميسّر وبلا تكلفة تذكر..لماذا لأنهم فكروا خارج الصندوق.
ورأيت طالبًا لا يحسن الكتابة بالقلم الأزرق الجاف نظرًا لبرودة الجو، وكان الجو شتاءً فقلت له اكتب بقلم الرصاص..وآخر يكتب على لوحة معلقة على الجدار وقد تراجع الحبر إلى أعلى القلم لأن القلم لم يكن عموديًا على الورقة.. فلم يستطع الكتابة فطلبت منه الكتابة بقلم الرصاص.
ودعوني أهمس في آذانكم الرصاص لم يخصص للقتل أصلاً وإنما أسيء استخدامه في الحروب.
وفي أحد مصانع الصابون في اليابان اختلطت عليهم الكرتون المملوءة بالكرتون الفارغ، وكلها متشابهة، والعدد ضخم جدًا في المستودعات، هل يقومون بفرزها جميعها بناءً على ثقلها مثلاً؟ أم ماذا سيفعلون؟
لقد عمدوا إلى تنصيب مروحة أرضية أمام سير كهربائي تمر عليه كل كرتون، فالفارغ تسقط أرضًا والمليء منها يمضي بسلام..لأنهم فكروا خارج الصندوق.
وبعد الحصار الخانق الذي مُورس على العراق عقب غزوه الكويت، إبّان التسعينات الميلادية نتيجة التصرف السياسي الأرعن، منعهم المجتمع الدولي من استيراد حتى أقلام الرصاص، كيلا يسيؤوا استخدامه ويصنعوا الأسلحة بدلاً من الكتابة.. من وجهة نظر المجتمع الدولي بعد أن اتُّهموا بحيازة أسلحة الدمار الشامل، وهم منه براء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.. فقلّت عندهم أقلام الرصاص وكذا الأوراق لدرجة لا تفي بمتطلبات التلاميذ في المدارس، فأصدرت الحكومة آنذاك تعميمًا يقضي باستخدام أي ورقة على الجهتين، حتى لو كانت خطابًا رسميًا موجهًا لأعلى سلطة في البلاد، وسمعت أستاذًا عراقيًا في إحدى الجامعات يقول حتى الخطابات بيننا وبين رئاسة مجلس الوزراء تكتب على أوراق مستعملة، ونستغل الجهة الفارغة منها، فلو وردنا خطاب من جهة ما، أعدنا الرد على الخطاب نفسه من الجهة الأخرى..فكروا خارج الصندوق..
وكان الصيادون في اليابان يصيدون الأسماك من مسافات بعيدة في البحار فلا يصلون الأسواق حتى تتغير تلك الأسماك جراء إخراجها من الماء، فتقل أسعارها، فقاموا بوضعها في شباك مربوطة بقواربهم حتى يصلوا بها إلى الشاطئ وهي طازجة، فهي ماتزال على قيد الحياة..فكروا خارج الصندوق.
وعندما جهزت قريش جيشًا لإسقاط الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة، عمد صلى الله عليه وسلم إلى حفر الخندق، وهي خطة لا يعرفها العرب قديمًا..فكروا خارج الصندوق..
ونحن..أما حان الوقت لكي نفكر خارج الصندوق؟
للمؤلف حميد الأحمد
راق لي
**************************************************