لتكن لغة الضاد من المهد إلى اللحد
سعيد بن عامر العيسري
بدعوى مسايرة العصر وبدعوى متطلبات
العصر والاهتمام بالضرورات انحرف تفكير كثير من الناس في وقتنا هذا بل ويجتهدون
باخلاص في دفع ابنائهم نحو هذا المنزلق الخطير وهذا لا يكون الا بسبب الجهل الذي
يعيش في اذهان البعض او بسبب التصور المنحرف عند البعض الاخر حتى اصبح يركض وراء كل
ناعق او بسبب متعمد يجعل من فئة اخرى من الناس لا تحرك ساكنا ولا توقف متحركا ولا
تنتقل من الشمس الى الظل الا بصدور اوامر من يسيطرون على عقولهم ويمتلكون الباجهم.
قد اكون ايها القارئ الكريم جعلتك تسبح بأفكارك في اتجاهات متعددة ولم تصل بعد الى
الموضوع الذي اريد ان اطرقه اذ المقدمة يمكن ان يقدم بها لمواضيع شتى مما يشغل بال
المصلحين ولكن دعني احدد لك الموضوع حتى لا نغرق في خضم بحر من العبارات قد لا تؤدي
بنا الى شاطئ فيه السلامة فيضيع منا الهدف ونفقد المضمون فالموضوع يتعلق باولئك
الذين يشتتون اذهان ابنائهم قبل ظهور اسنانهم اللبنية وحتى يخرجون من الجامعة لمن
يصل منهم حتى اذا جاء في النهاية يحدد مكان ابنه بين اقرانه لم يجده لا في العير
ولا في النفير. هؤلاء هم الذين اصبحوا يؤمنون ايمانا قاطعا جازما لا يقبل الشك ولا
الريب ولا النقاش ولا الجدال ويحكمون بصحة ما يعتقدون اذ يعتقدون لزوم ان يتعلم
الطفل مع لغته الام اللغة العربية لغة اخرى يطلقون عليها اسما براقا لماعا وهو اسم
اللغة العالمية وهذه هي اللغة الانكليزية. اي عقلية بالله عليكم تقبل ان طفلا ما
زال ينطق حروفه الاولى يعلمه والداه لغتين في آن واحد. نحن لا نملك ان نقول ان تعلم
لغة غير العربية ليس له اهمية فهذا لا يقول به عاقل ايضا اذ جاء في الاثر (من تعلم
لغة قوم أمن مكرهم) ولكن الاعتراض على وقت تعلم اللغة الثانية مع اللغة الام
فالخلاف هنا على الوقت لاعلى الفكرة نفسها ومن هنا يجب ان يكون المرء واقعيا يقدر
الامور قدرها ويعطى كل شيء حقه وقدره. ولاثبت لك ايها القارئ الكريم صحة ادعائي
اسوق لك احداثا ووقائع ثم لتكن انت الحكم.
حادثة وقعت امام ناظري اذ التقيت بشخص تربطني به وكان هذا الرجل عنده طفلة يعلمها
الكلام وعند اخته طفل من نفس العمر فسمعته يخاطب طفلته بكلمات انكليزية فعحبت من
فعله اشد العجب فناقشته في هذا الامر فوقف يدافع وينافح عن فكرته دفاع المستميت ولم
افلح في ثنيه عن فكره ثم عرفت من اخته ان جدالا بينها وبينه يحدث دائما حول هذا
الموضوع ولكنه متمسك بفكرته ثم اسلمنا الامر وكبر الوالدان فجاء ابن الاخت بعد اقل
من سنة يتحدث بطلاقة وبدون عوائق واما ابنته الضحية فلم تتمكن من نطق الكلمات
المهمة واصبحت متأخرة وفقيرة جدا في قاموسها اللغوي حتى انه عجب من ابن اخته وتفوقه
على ابنته غير ان الانحراف الفكري هذه نتيجته.
في قناة تلفزيونية عرض للنقاش موضوع تدريس طلاب الصفوف الاولى للغة اضافية مع لغتهم
الام فاتصل احد المختصين في مجال التربية وهو دكتور مغربي وذكر تجربة قامت بها
المغرب حيث درست اللغة الفرنسية مع اللغة العربية لفئة من الطلاب الصغار وفئة اخرى
درستهم اللغة العربية وحدها وذكر ان نتيجة هذه التجربة جاءت بتفوق فئة الطلاب الذين
درسوا اللغة العربية وحدها وضعف مستوى من درسوا الفرنسية مع العربية لذلك كان هذا
الدكتور من اشد المعارضين لتدريس لغة اخرى لطلاب المرحلة الابتدائية مع لغتهم الام.
من يدعي ان اللغة الانكليزية هي اللغة العالمية ولا بد من اتقانها وانه لا تفوق ولا
رقي إلا باتقان الانكليزية نقول ما بال الامم الاخرى لم تتخذ الانكليزية او
الفرنسية اوغيرها لغة عالمية بل جعلت نصب اعينها لغتها الرئيسية وطورت التعليم بها
وعلمت طلابها لغتها في كل المواد حتى غدت في مصاف الدول المتقدمة والتي يشار اليها
بالبنان وخير مثال على ذلك اليابان فلم تكن اللغة الانكليزية عالمية لنا وغير
عالمية لغيرنا غير انه الانهزام الفكري هذه نتيجتة. اخي القارئ لغتنا العربية حوت
كتاب الله فكيف لا تستطيع ان تكون هي اللغة العالمية وما علينا الا العض عليها
بالنواجذ والعمل على تعليمها ابنائنا والا يغرنا بريق لغات الاخرى فما كل ما يلمع
ذهبا.
منقول
**************************************************